Skip to main content
تبرع لنا


يقع قصر الأديب الفلسطيني الراحل محمد اسعاف النشاشيبي في حي الشيخ جراح بالقدس، ويتكوّن من طابقين وتسوية بمساحة اجمالية تبلغ 750 مترا مربعا. صمم وأشرف على بناء القصر المهندس اليونانيّ الأصل سبيرو خوري في بداية عشرينيات القرن الماضي، ويتميّز قصر النشاشيبي بعناصره المعمارية الرائعة، وخاصة استخدام القيشانيّ الأزرق الذي يزيّن واجهته الأمامية بوجه خاص.

وكان المبنى خلال سنين إقامة صاحبه فيه محجا لكثير من الأدباء والمفكرين العرب، حيث اتخذت عدة عائلات مقدسية من قصورها في ذلك الحي منتديات أدبية إبّان الاحتلال البريطاني. وقد أقام به صاحبه حتّى عام 1947 حين انتقل الى القاهرة للعلاج الطبي وقضى نحبه فيها عام 1948.

الأديب الفلسطيني المقدسي محمد اسعاف النشاشيبي

ولد (محمد إسعاف) عثمان النشاشيبي في القدس، لأسرة مقدسية عريقة. التحق بكتاتيب القدس ثم انتقل الى بيروت للدراسة في “دار الحكمة” حيث مكث فيها أربع سنوات. وقد تأثر بأساتذته عبد الله البستاني والشيخ مصطفى الغلايني ومحيي الدين الخياط.

تعلق المرحوم بالأدب منذ صباه، فقرأ كتب التراث، وشغف ببديع الزمان الهمذاني، وعرف بين أصدقائه ب “أبا الفضل”، وأعجب بالمتنبي وقال فيه “إن المتنبي شخص ثالث بين كل مثقفين اثنين”. كان واسع الاطلاع، ولديه مكتبه كبيرة شاملة، وكانت مجالسه أجمل المجالس لم يلقه أحد إلا استفاد منه – وكان يطلب العلم لأجل العلم، وكان أستاذ نفسه، مندفعاً في سبيل إحياء أمجاد العرب وتراث الإسلام.

عمل إسعاف النشاشيبي أستاذاً للأدب العربي في “الصلاحية” بالقدس إبّان الحرب العالمية الأولى، ثم عمل في معارف حكومة فلسطين في عهد الانتداب البريطاني حيث عيّن مديراً للمدرسة الرشيدية عام 1918م وما لبث أن رقي الى منصب مفتش للغة العربية في مدارس فلسطين، واستقال سنة 1930م حيث تفرّغ لكتبه وأدبه. وقد نشر منتخبات من قراءاته في أوابد كتب التراث، وعلى صفحات مجلة “الرسالة” القاهرية، تحت عنوان “نُقل الأديب” استمرت منتظمة منذ عام 1937م حتى عام 1947م.

جمعت الصداقة بينه وبين عدد من الكتاب والشعراء منهم الشاعر أحمد شوقي وأحمد حسن الزيات وأمين الريحاني وخليل السكاكيني، حيث قال عنه أحمد حسن الزيات: “كان النشاشيبي رجلاً وحده في الأسلوب والخط والحديث والتحصيل. أسلوبه عصبي ناري تكاد تحسّ الوهج من ألفاظه، وتبصر الشعاع من مراميه…. وتحصيله عجب من العجب، ولا تستطيع أن تذكر له كتاباً من كتب العربية لم يقرأه، ولا بيتاً من شعر الفحول لم يحفظه، ولا خبراً من تاريخ العرب والإسلام لم يروه، ولا شيئاً من قواعد اللغة ونوادر التركيب وطرائف الأمثال لم يعلمه، فهو من طراز أبي عبيدة والمبرد، ولذلك كان أكثر ما يكتب تحقيقاً واختياراً وأمالي ….. أنه خاتم طبقة من الأدباء اللغويين المحققين لا يستطيع الزمن الحاضر أن يجود بمثله. “وقال أمين الريحاني فيه: “ثلاثة سأذكرهم على الدوام: الحرم الشريف، وجبل الزيتون وإسعاف النشاشيبي. وهل أجمل من روح إسعاف السامية الحافلة بأنوار من الشرق والغرب؟” وتحدّث عنه خليل السكاكيني في يومياته قائلاً: ” ثم أعلنت الحرب الكبرى، ومما أذكره له بالشكر والإعجاب أنه كان إذا عرف أننا لا نجد خبزاً يحمل شيئاً من الطحين على ظهره ويأتي به الينا”.

سافر المرحوم محمد اسعاف الى القاهرة عام 1947م في رحلة علاج، وأقام في أحد الفنادق حتى وفاته في 22 كانون الثاني (يناير) 1948م.